ابو نصر محمد بن محمد بن اوزلغ بن طرخان . فيلسوف ورياضي وموسيقي تركستاني . ولد في وشيج او وسيج ، بمقاطعة فاراب في تركستان حوالي عام 872م ، وتوفي في دمشق عام 950م . نشأ في عائلة فارسية الاصل حيث كان والده قائدا عسكريا في تركستان ، ثم انتقل الى بغداد ودرس على يوحنا بن جيلان وأبي بشر متى النسطوري ، ثم صاحب سيف الدولة في فتحه لدمشق ، وقيل انه زار مصر ولكنه رجع بعد زيارته الى دمشق وعاش وتوفي فيها ، وقد نسب الى فاراب بتركيا. ويقال انه كان لا يقبل من سيف الدولة الا اربعة دراهم فضة كل يوم يصرفها على ضرورياته ، وانه لم يكن يعتني بملبس او مسكن ، وكان يتغذى (( .. بماء قلوب الحملان مع الخمر الريحاني ..)) ، وانه لم يكن له من امور الدنيا اغراض ، حتى نبذ القضاء ، وكان يخرج في الليل الى الاماكن التي بها اشجار وماء ليقرأ أو ليعزف على آلته الموسيقية على ضوء فوانيس الجنود ، ويقال انه قد اخترع آلة القانون ، وانه قد اكتشف اللوغاريتمات اثناء دراسته للموسيقى .َ
وقد وقع الفارابي على كتب ارسطو ، وتبين له امتيازها ، وتحيز بأكثر مما فعل الكندي للفلسفة اليونانية . وقد لقب الفارابي بفيلسوف الاسلام ، وبالمعلم الثاني بعد ارسطو لاشتهاره في مسائل الفلسفة والعلوم. ووصفه ابن خلكان باعظم فلاسفة المسلمين . وقد خرج من التلاميذ المبرزين ، الى جانب ابن سينا ومن جاء بعده ، متى بن يونس ، و ابا زكريا بن عدي التكريتي . وقد قيل ان الفلسفة الاسلامية قد شبت على يدي الفارابي متقفية آثار ارسطو حتى بلغت ابن سينا و ابن رشد ، وانها قد تراجعت بعد ذلك امام محافظة اهل السنة . َ
والفارابي فيلسوف ارسطي ، اشتهر بشروحه على مؤلفات ارسطو و بطليموس و افلوطين و فرفوريوس ، ولكن فلسفته كانت ذات طابع افلوطيني ، أي مشائية ، رغم واجهتها الارسطية . والسبب في هذا هو ان الفارابي قد استمد اكثر افكاره الارسطية عن ترجمات غير دقيقة ، وعن الكتاب المنحول ( الاثولوجيا ) ، وان فلسفته كان يشوبها غموض ، ويغلفها تصوف طهري . وقد حاول الفارابي ان يوفق بين ارسطو و افلاطون ، وبين ارسطو و جالينوس ، وبين هؤلاء جميعا وتعاليم الاسلام . ولكن هذا لم يكن ممكنا حتى تصدى لانتقاد الفلسفة المشائية بعد الفارابي وابن سينا هبة الله ابو البركات البغدادي ، يساعده في ذلك انتقادات الغزالي القوية للفلسفة والفلاسفة بشكل عام . َ
وقد فرق الفارابي ، وعلى ما فعل ارسطو ، بين النفس والجسم ، وجعل لكل منها طبيعة منفصلة ، وقسم النفس الى نباتية ، وحيوانية ، وانسانية . وتميزت معلوماته بالغزارة ، واسلوبه بالبساطة والدقة . وقد ضاعت اكثر مؤلفات الفارابي ، فلم يصل الينا الا فقرات مقتضبة من بعضها ، وبعض هذه الفقرات متناقضة ، واكثرها يفتقر الى الى الترتيب . وقد بلغت هذه المؤلفات حوالي 117 كتابا ورسالة في المنطق ، وعلوم التعليم ، والعلم الطبيعي ، والعلم الالهي ، والاخلاق ، والسياسة ، والفلسفة .َ
وقد الف الفارابي في علوم الحساب والهندسة والمناظر والنجوم وعلم الاثقال وعلم الحيل . واهم ما نعرفه من مؤلفاته في العلوم ( احصاء العلوم ) وهو من اولى الموسوعات العربية في تصنيف العلوم. وقد قسم الفارابي علوم زمانه الى لغات ومنطق ورياضيات وطبيعيات والهيات واخلاق وسياسة . وللفارابي في الالهيات ( العقل والمعقول ) ، و ( النفس ) ، و ( الواحد والوحدة ) ، و ( الجوهر ) ، و ( المقاييس ) ، و ( رسالة في اغراض كتاب ما بعد الطبيعــة ) .َ
ومن اهم مؤلفاته الفلسفية ( كتاب الجمع بين رأيي الحكيمين افلاطون و ارسطوطاليس ) ، و ( اغراض افلاطون وارسطو ) ، و ( معاني العقل ) ، و ( عيون المسائل ) ، و ( رسالة فصوص الحكم ) . وفي هذه الرسالة الاخيرة ، التي يشك في نسبتها اليه ، يمزج الفارابي بين النظرة الفلسفية والمنهج الاستنباطي في فحص الامور ، وبين النزعة الصوفية التي تساندها اقتباسات لآيات قرآنية . ويحاول الفارابي في رسالته تأويل بعض الأمور الدينية تأويلا فلســـفيا .َ
وللفارابي ايضا ( آراء اهل المدينة الفاضلة ) الذي يتميز بالنزعة الافلاطونية ، ويتناول الفارابي في قسمه الاول مسائل فلسفية في الوجود ، والله ، والمخلوقات ، ويشرح في قسمة الثاني شؤون مدينته السياسية والاجتماعية . وللفارابي ايضا رسالة ( السياسات المدنية ) ، و ( الاخلاق والسياسة ) ، و ( التنبيه على سبيل السعادة ) . ومن مؤلفاته اللغوية ( كتاب الحروف ) ، و ( كتاب الالفاظ ) . وله في الموسيقى كتاب ( الموسيقى الكبير ) الذي يعتبر من اعظم المؤلفات الموسيقية في العربية . وقد قسمه الفارابي الى جزئين : المدخل الى صناعة الموسيقى ، وصناعة الموسيقى ، وقد بحث الفارابي في الجزء الثاني من كتابه في الصناعة والآلات والالحان ، وقد تعرض الفارابي في مؤلفه كذلك للطنبور البغدادي والمزامير والرباب والايقاعات والنغمات الموسيقية . وللفارابي في الموسيقى ايضا ( كتاب في احصاء الايقاع ) ، و ( كلام في الموسيقى ) المفقودين لنا .