قاسم محمد أمين (1 ديسمبر 1863 - 23 أبريل 1908). هو رائد حركة تحرير المرأة، عندما تسمع باسمه تتذكر المرأة، فهو المدافع عنها أكثر من المرأة نفسها وهو قبطان لسفينة اسمها الحرية على الرغم من العوائق وصخور التخلف التي واجهت سفينته ولم تهوي بل حافظ على توازنها ولاتهمه الرياح العاتية واضعا مرساتها في المكان الذي يرغب به، إنه شخص رسم لطريقه دربا وعلى دربه سائر ومصمم، فرفض حياة الأرستقراطيين الفانية وأحب الخلود وحققه بانضمامه لقطار اسمه عظماء عبر التاريخ، فهو أديب درس في بلاد الثورة الفرنسية فأحب أن يصنع ثورة نسائية، هو شخص أراد التنفس في جو مضطرب وأحب الإستيقاظ في جو نائم وحالم ورغب بالحياة في عالم من الأموات فأثرت عليه الظروف فوافته المنية ولم يصل من العمر الخمسين.
لنبدأ بثورة من الحرية ننتقل بها مع محطات من حياة طائر السلام والحرية قاسم أمين.
ولادة وأصل قاسم أمين:
أبوه محمد بك بن أمين ابن أمير كردي أخذ رهينة للآستانة وتم تعيين والده فترة واليا على إقليم كردستان ثم جاء لمصر في عهد الخديوي إسماعيل وتزوج فأنجبت زوجته المصرية أولادا أكبرهم قاسم ،وكان بعض أجداده تولى على السليمانية من قبل السلطان العثماني. ولد قاسم في بلدة طرّة بمصر في الأول من ك1 عام 1863 وتلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة (رأس التين) التي كانت تضم أبناء الطبقة الارستقراطية ثم انتقل مع أسرته إلى القاهرة و وسكن في حي الحلمية الأرستقراطي وحصل على الثانوية العامة فالتحق بمدرسة الحقوق والإدارة ومنها حصل على الليسانس عام 1881وكان أول متخرج وعمل بعد تخرجه بفترة قصيرة بالمحاماة ثم سافر في بعثة دراسية إلى فرنسا وانضم لجامعة مونبلييه وبعد دراسة دامت أربعة سنوات أنهى دراسته القانونية بتفوق سنة 1885 ،وأثناء دراسته بفرنسا جدد صلاته مع جمال الدين الأفغاني ومدرسته حيث كان المترجم الخاص بالإمام محمد عبده في باريس.
بداية النبوغ والعودة من بلاد بلزاك
عاد قاسم من فرنسا بعد أن قضى فيها أربعة سنوات يدرس بها المجتمع الفرنسي، واطلع على ماأنتجه المفكرون الفرنسيون من مواضيع أدبية واجتماعية، وراقت له الحرية السياسية التي ينعم بها أولاد الثورة الفرنسية والتي تسمح لكل كاتب أن يقول مايشاء حيث يشاء، فأقام مبدأ الحرية والتقدم على أسس من الثقافة المسلمة وكان من المؤيدين للإمام محمد عبده في الإصلاح، ورأى أن الكثير من العادات الشائعة لم يكن أساسها الدين الإسلامي، وكتب في جريدة المؤيد 19 مقالا عن العلل الاجتماعية في مصر ورد على الدوق دار كور الذي كتب عن المصريين وجرح كرامتهم وقوميتهم وطعن بالدين الإسلامي في كتاب ألفه عام 1894 بعنوان "[[المصريون[[]]"، وبحث في العلل الاجتماعية التي تعتري المجتمع المصري بأسلوب المصلح المشفق، وقضى أربع سنوات وهو يكتب في المؤيد عن المواضيع التي أطلق عليها "أسباب ونتائج" أو "حكم ومواعظ".
تفجيره دعوة إصلاح وضع المرأة
كان قاسم يرى أن تربية النساء هي أساس كل شيء، وتؤدي لإقامة المجتمع المصري الصالح وتخرج أجيالا صالحة من البنين والبنات، فعمل على تحرير المرأة المسلمة، وذاعت شهرته وتلقى بالمقابل هجوما كبيرا فخلطت دعوته بالدعوة بالانحلال والسفور رغم انه لم يدع لذلك في كتاباته.
كان منذ شبابه مهتما بالصلاح الاجتماعي فأصدر سنة 1898 كتاب "أسباب ونتائج وأخلاق ومواعظ وتبعه بكتاب "تحرير المرأة" الذي تحدث فيه عن الحجاب وتعدد الزوجات والطلاق، وأثبت أن العزلة بين المرأة والرجل لم تكن أساسا من أسس الشريعة، وأن لتعدد الزوجات والطلاق حدودا يجب أن يتقيد بها الرجل بها، ثم دعا لتحرير المرأة لتخرج للمجتمع وتلم بشؤون الحياة. بهذا الكتاب زلزلت مصر وأثيرت ضجة وعاصفة من الإحتجاجات والنقد ورد على قاسم محمد طلعت بكتاب "فصل الخطاب في المرأة والحجاب" ومحمد فريد وجدي بكتاب "المرأة المسلمة"، ولكن قاسم لم يتزعزع أمام النقاد فواصل يدرس الكتب والمقالات لمدة سنتين ويرد عليهما بكتابه "المرأة الجديدة" عام 1901 ردا على ناقديه، فطالب بإقامة تشريع يكفل للمرأة حقوقها وبحقوق المرأة السياسية وأهداه لصديقه الزعيم سعد زغلول.
بعيدا عن قضية المرأة
كان قاسم قاضيا وكاتبا وأديبا فذا ومصلحا اجتماعيا، اشتهر بأنه زعيم الحركة النسائية في مصر كما اشتهر بدفاعه عن الحرية الاجتماعية وبدعوته لتحقيق العدالة وإنشائه الجامعة المصرية وبدعايته للتربية في سبيل النهضة القومية، ودعا لتحرير اللغة العربية من التكلف والسجع فقد كان أديبا مغوارا ولكن أحدا لم يتفق معه على التحرر من حركات الإعراب فماتت دعوته في رحم الكلمة.
قاسم أحد رجال الإصلاح المنتمين لمدرسة الإمام محمد عبده الذين يؤمنون بالإصلاح التربوي التدريجي الذي من شانه أن يكون جيلا مثقفا مستنيرا قادرا على القيام بأعباء التغيير والتحول بعد أن يتمرس تدريجيا ويجد في نفسه القدرة على ذلك.
وكان للدوق دار كور الذي هاجم المصريين التأثير المباشر على قاسم إذ حرك مشاعره الوطنية وحث لديه بذور الإصلاح ودفعه للبحث في شؤون البلاد خاصة بعد أن وجد بينه وبين نفسه أن الدوق على حق في الكثير من انتقاداته واتهاماته.
كان قاسم يحب الفنون ويعتقد أن الحياة محبة ورحمة وتسامح وسلام فكان رجلا مثاليا وتدرج في مناصب القضاء حتى كان مستشارا في محكمة الإستئناف وكان قبلها وكيلا للنائب العمومي في محكمة مصر المختلطة.
رحيل ناصر المرأة
حساسية مشاعره ورهافة حسه ألقت ظلالها على حياته، فالشفقة ورقة قلبه على الفقير والجاهل والضعيف جعلت يد الموت تخطفه من دنيانا في 23 أبريل عام 1908 وهو في الخامسة والأربعين عاما.
رثاه عدد من الشعراء كحافظ إبراهيم وخليل مطران وعلي الجارم، وندبه الزعيمان سعد زغلول باشا وفتحي زغلول فكان عزاؤهما بكاء وحزنا أبكى معهما جميع من بلغ القبر من المشيعين.
كان قاسم يهتم بالأسلوب والفعل ولايهمه المظهر كما أشار في كتابات متعددة عن المرأة بأنه ليس من المهم أن تكون محجبة إنما المهم في طريقة مشيتها وبتصرفاتها ويتبادر إلى ذهني كتاب لمحات من تاريخ العالم للزعيم الهندي جواهر لال نهرو عندما قال بأن الحجاب أخذه الإسلام عن الديانة المسيحية ويتساءل بجملة معبرة فكيف لأمة أن تتحرر ومازال نصفه محجوزا وراء ذلك الحاجز؟.
من أقواله
إن الوطنية الصحيحة لاتتكلم كثيرا ولاتعلن عن نفسها.
كلما أردت أن أتخيل السعادة تمثلت أمامي في صورة امرأة حائزة لجمال امرأة وعقل رجل.
لو أن في الشريعة الإسلامية نصوصاً تقضي بالحجاب، على ماهو معروف الآن عند بعض المسلمين، لوجب عليّ اجتناب البحث فيه، ولما كتبت حرفاً يخالف تلك النصوص مهما كانت مضرة في ظاهر الأمر، لأن الأوامر الإلهية يجب الإذعان لها بدون بحث ولامناقشة. لكننا لانجد نصاً في الشريعة يوجب الحجاب على هذه الطريقة المعهودة، وإنما هي عادة عرضت عليهم من مخالطة بعض الأمم فاستحسنوها وأخذوا بها وبالغوا فيها وألبسوها لباس الدين كسائر العادات الضارة التي تمكنت في الناس باسم الدين والدين براء منها. فقد جاء في الكتاب العزيز: "قُلْ للمؤُمنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أبصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ. ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ، إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ، وَقُلْ لِلمؤُمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أبْصَارِهنَّ وَيَحْفَظْنَ فُروجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا. وَليَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلاَّ لِبُعُولَتِهنَّ أو آبَائِهنِ أوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِن أوْ أبْنائِهِنَّ أو أبَناءِ بُعُولتِهِنَّ أوْ إِخْوانِهِنَّ أوْ بَنِي إخَوَانهِنَّ أو نِسَائِهنَّ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيمَانُهُنَّ أو التَّابِعينَ غَيْرِ أُوِلي الإرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أو الطِّفلِ الَّذينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النسِّاءِ وَلاَ يَضْربْنَ بأرْجُلِهِنِّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِيِنَتهنَّ".
أقل مراتب العلم ماتعلّمه الإنسان من الكتب والأساتذة، وأعظمها ماتعلمها بتجاربه الشخصية في الأشياء والناس.
في الأمة الضعيفة المستعبَدة حرف النفي (لا) قليل الاستعمال.
إذا رأيت الرأي العام معادياً لكاتب، وأعدّ له خصوماً، يتسابقون إلى نقد أفكاره وهدم مذهبه، وعلى الخصوص إذا رأيتهم ذهبوا في مطاعنهم إلى السب والقذف، فتحقق أنه طعن الباطل طعنة مميتة ونصر عليه الحق.
التربية هي التي أنتجت كل الرجـال الذين نسـمعُ عنهم، ونشاهدهم متحلّين بمزايا الإستقامة، والصدق والكرم، والشـجاعة والشفقة، وحب الوطن، واحترام الحق، والدفاع عن الحقيقة، والخضوع للواجب، وبذل النفس والمال في خدمة العلم والدين والجامعة الوطنية.
قالوا عنه
قال د. محمد حسين هيكل:
"كان مع حيائه الجم عيوفا يحترم نفسه وكرامته كما يحترم الغير وحريته فلم يجرب عليه ضعة ولا ضعفا ولعل أقدس ماكان يجله من مظاهر الحرية حرية الرأي. كان قاضيا ممتازا لم يقض يوما لينال حظوة عند أحد أو ليصفق له الجمهور فكان يرى أن العفو هي الوسيلة الوحيدة التي ربما تنفع لإصلاح الذنب وأن معاقبة الشر إلى الشر إضافة شر إلى شر".
وقال هيكل أيضا:
"إن الدعوة لتحرير المرأة من رق الجهل ورق الحجاب لم تكن كل برنامج قاسم الاجتماعي بل عمل لإنشاء الجامعة الأهلية مع زغلول وكان يريد أن يجعل منها خطوة لبرنامج أوسع نطاقا يتناول ثورة في اللغة والأدب كالثورة التي أحدثها كتاباه في تعليم المرأة ورفع الحجاب".
قال الشاعر أحمد شوقي:
إن المصيبة في الأمين عظيمة محمولة لمشيئة الأقدار
أوفى الرجال لعهده ولرأيه وأبرهم بصديقه والجار
وأشدهم صبرا لمعتقدات وتأدبا لمجادل وساري
قال د. شوقي ضيف:
"إن قاسم أمين حمل راية الإصلاح الاجتماعي".
قال الشاعر حافظ إبراهيم:
لله درك كنت من رجل لو أمهلتك غوائل الأجل
وشمائل لو أنها مزجت بطبائع الأيام لم تحل
من كتبه
المصريون.
تحرير المرأة - 1899.
المرأة الجديدة - 1901.